كان نظام الرئيس السابق مبارك، كريما في أخطائه، سواء في عددها أو في ضخامتها، ويعود هذا لجرأته وغروره في ارتكابها، وظنه، أنه يحكم شعبًا من "الجثث"، التي لا تثور ولا تغضب.. وجاءت أخطاء مشهد ما قبل النهاية كمحفزات و"مغيظات" للناس كي تثور.. ابرزها بلطجته في إدارة انتخابات مجلس الشعب التي حصل فيها علي 95% بشفافية !! وسلق القوانين وتفصيلها، وغلو المعيشة والبطالة المزمنة وجباية الضرائب دون فائدة، هذا غير الفساد المفضوح من سرقة ونهب أموال وارضي الدولة، الذي كانت تتم "عيني عينك. جهاراً نهاراً".
ورغم أن هذه الممارسات العنيفة "سياسيا"، كانت احد الاسباب الرئيسية لغضب الناس وخروجهم في 25 يناير، إلا ان اخطاء مشهد النهاية وحدها كانت كارثية، وعجّلت بنهاية النظام بشكل سريع، وهو ما نستطيع ان نقول عنه، بارتياح وشماتة كبيرة ، لا نخجل منها "على نفسها جنت براقش".. وإليكم عشرة اخطاء من وجهة نظري قضت علي نظام مبارك "بدري بدري.. في 18 يومًا فقط".
1- غيبوبة البداية: عدم توقع حجم وطريقة وخريطة سير المظاهرات، فقبل يوم 25 يناير، كان الأمن يتعامل بشكل عادي مع هذا الحدث، ماعدا بعض التحركات الروتينية.. رغم انه، حسب علمي، عُقِد اجتماع "هاتفي" ضم وزير الداخلية السابق والرئيس السابق مبارك، وصفوت والشريف وزكريا عزمي وفتحي سرور، وحذّر فيه الأخير من خطورة هذه التظاهرات، التي كانت منتشرة في كل مكان على الانترنت، إلا أن وزير الداخلية، قال لها بتناكته المعهودة – كما اتخيل- اطمئنوا كله تحت السيطرة.
2- ثورة مستوردة: مصر مستهدفة.. وقلة مندسة.. وأجندات خارجية، وخيم وأموال أمريكية في ميدان التحرير، ثم دخلنا في قصة وجبات كنتاكي ، وجواسيس اسرائيليين، وأيادي إيرانية تعبث !!، وتواجد ميداني قوي من حماس – اقسم بالله ان احد الوزراء قال انهم كانوا يرفعون اعلامهم في ميدان التحرير-.. وطبعا هذه الرسائل المُلفّقة والكاذبة، خرجت من النظام البائس الغبي من فعل الصدمة، مما يؤكد انهم كانوا مهزوزين ومرعوبين ع الاخر.. ويكفي أن صفوت الشريف صرح لبرنامج "الحياة والناس" يوم 26 يناير، بأن ايادي خفيّة تعبث بأمن واستقرار مصر.. وفي نفس الوقت وعلى نفس القناة، لبرنامج آخر هو "الحياة اليوم"، فتحي سرور صرح بأنها ثورة من الشباب لمطالب يمكن النظر في تحقيقها.
3- الاستخفاف بالشباب: وصل بهم الحد الي التجريح في الشباب وتجاهل أي حديث عن الشهداء، بل ان الصحف القومية اعتبرتهم "قتلي" وليسوا شهداء،
وهذه كانت سمة رئيسية لتعامل النظام في كل مراحل الثورة.. هذا الاستهانة بالشباب وبأدواتهم البسيطة، من الانترنت والشبكات الاجتماعية والهواتف المحمولة وقدرتهم على التنظيم، جعلت النظام لا يعطي الشباب قدرهم، وبالتالي؛ لم يستطع أن يتعامل معه بالكفاءة واليقظة المطلوبة.. لهذا كانت المفاجأة ضخمة والتراجع سريعًا ومريعاً.. لأنهم ببساطة اعتمدوا على ادوات سياسية بالية ليست في قواميس الشباب، مثل "الرئيس الرمز والأب"، والفراغ الدستوري، والقمع الأمني، ثم الانفلات الامني، ثم الخسائر الاقتصادية، بينما الشباب كان يتعامل مع الامور باعتبارها، قضية حرية وديمقراطية وكرامة وعدالة انسانية.. والنظام كان يراها قضية أمنية بحتة وليست سياسية او حتى حقوقية .
4- خطابات الرئيس: نستطيع أن نقول عنها بأريحية شديدة إنها كانت مملة.. ورسائلها متأخرة دائماً، و"يطق من جنباتها" العند والتعالي والغرور، حتى القرارات التي كانت تأتي بها، دائماً ما تكون متأخرة بخطوة عن مطالب الثوار.. ولو عُدنا إلى يوم 25 يناير، كان يكفي قرار - وليس خطاب - بإقالة الحكومة لتهدئي من المتظاهرين .. ولكن مؤسسة الرئاسة، كانت تعاند بصلف شديد، وترفض ان تكون في موقع رد الفعل، فاستمرت في عنادها؛ واستمرت الثورة حتى كتب لها الله ان تنجح، لأن الله أرادَ أن يعمي النظام السابق، عن أي قرارات سليمة تصدر في وقتها، وتمتص غضب الشعب، وكلنا يعرف مدى عاطفة الشعب المصري؛ ولكن الله ستر..
5- التغطية الإعلامية الرسمية: بإجماع منقطع النظير كانت ضعيفة، ومضللة ومفبركة، وغير مهنية اطلاقة، استخدمت أبواق تقليدية لا تحظي بأي مصداقية، وهذه الأخطاء الفادحة جعلت النظام يخسر وسائل إعلامه الرسمية، ومن الجولة الأولى؛ حتى عندما حاول أن يستخدم بعض القنوات الخاصة كان الوقت قد فات لكي تقوم بدور مؤثر، لأنها هي الأخرى كانت متحفظة وسلبية للغاية، خاصة في الأيام الأولى للثورة.. لهذا كان اتجاه الناس، ومنذ البداية، نحو قنوات العربية والجزيرة، كخيار أول.. بغض النظر عن مضمون الرسالة التي كانت تُبث على هاتين القناتين.. ورغم تغطيتهم المتميزة، الا انها كان بها ببعض التجاوزات المهنية.
6- الإعلام الأجنبي: مع بداية الثورة، بدأ يتوافد على مصر بكثرة، خاصة في محافظات القاهرة، والاسكندرية والسويس، مئات المراسلين الأجانب من كل دول العالم، جاءوا لتغطية الحدث التاريخي.. والثورة الاولي في التاريخ التي تشاهد وقاعها "بث حي" على الهواء، وبدل من ان يكون النظام السابق بتسهيل الأمور لهم والسعي لكسب ودهم، لكن غبائهم هداهم الي ملاحقة وضرب وحبس المراسلين الاجانب، مما جعله يخسر أي لمحة تعاطف أو نظرة موضوعية كان يمكن أن يحصل عليها، بسبب تعامله القاسي مع الإعلام الأجنبي، فكانت النتيجة ان صورته كان وحشية وسيئة جدًا في كل وسائل الاعلام العالمية.
7- موقعة الجمل: لو كان لنا ان نختار أكبر خطأ وقع فيه النظام، ستحتل موقعة "الجمل والبغال والحمير"، دون منازع المرتبة الأولى، فقبل هذه الكارثة بليلة واحدة، جاء خطاب مبارك الذي أعلن عن نيته في عدم الترشح مجددًا، وقال إنه "وُلِد وحارب وعاش وسيموت على أرض مصر"، فما كان إلا أن دمعت أعين الكثير من المصريين.. وأخذ مؤشر التعاطف معه في الصعود بقوة.. وكان يمكن - لو هناك أذكياء حول مبارك - ان يتم البناء على هذه النقطة، ولربما أنقذ نظام مبارك نفسه من الغرق، ولكن موقعة الجمل، جاءت كطوق نجاة للثورة، وحماه من فخ التعاطف الأعمى، الذي ربما كانت سيقضى على الثورة عند هذه المرحلة.
8- قطع الانترنت والمحمول: كعادة الأجهزة الأمنية، لا تفكر أبعد من موضع قدميها، اذا رأتهما أصلاً، وكرد فعل لقطع لخدمات الانترنت وشبكات الهاتف المحمول مساء يوم 27 يناير، تحركت الناس بالملايين، لجمعة الغضب، غيظًا من هذا العقاب الجماعي، فمن كان سينتظر لكي يعرف ماذا سيحدث من خلال الانترنت، او للتنسيق مع أحد بالهاتف، فضّل عن أن يتابع بشكل مباشر ما يحدث في الميدان، ليشارك في الحدث بنفسه، فازدادت اعداد المشاركين بصورة خرافية وغير متوقعة، وفي كل مكان في مصر، وكانت بمثابة الضربة القاسمة، والنهاية الحقيقة للنظام !!
9- الانفلات الأمني: سواء تم بقصد أو بغير قصد؛ فقد أفاد الثورة كثيرًا، لأن ذلك الموقف اثبت للعالم أجمع، ان المصريين شعب عظيم متحضر، وقف يحمي المنازل والشوارع والمنشآت الحكومية، وأيضًا الكنائس، التي لم تشهد حادثة هجوم واحدة رغم الغياب التام للشرطة. وفي ميدان التحرير، ورغم عدم وجود أي فرد أمن هناك، آلا ان المشهد كان رائعا وخالدا، الملايين يتوافدون علي الميدان كل يوم، يقومون بتنظيم الدخول والتفتيش، ثم التنظيف، دون تحرش او سرقة او تعصب او عصبية.. في مشهد لن ينساه العالم ابداً.
10- التفاوض مع المجهول: احد ابرز الاخطاء الاستراتيجية التي وقع فيها النظام، ولو كان باتزانه ما كان بدء في خلع ثيابه، واحد تلو الاخر، دون أن يعرف لمن يخلع، او إلى أي مرحلة سيتوقف عن الخلع؛ ولكن لأن الصدمة كانت قوية، والغضب كان يأتي من كل مكان، فاضطر النظام، أن يحاول ان يسترضي الجميع، وعندما بدت عليه ملامح الانهيار الكبير.. ارتفع سقف المطالب، ولم يقبل الناس الا برأس النظام نفسه.. فمن ذا الذي يجد أمامه فرصة للخلاص والحرية ولا يتمسك بها؟!
0 التعليقات:
إرسال تعليق
اضف رد